للسودان الذي يقع في "حزام الانقلابات" في منطقة الساحل، تاريخٌ حافل بالانقلابات والحكم العسكري، ما يتعارض مع النضال المستمر الذي يخوضه الشعب السوداني من أجل إرساء نظام سياسي ديمقراطي. والحرب الأهلية التي تشهدها البلاد حاليًا، والتي اندلعت في منتصف أبريل/نيسان 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، تتأثّر بهذا الإرث السياسي من جملة أمور أخرى، حيث يتم الوصول إلى السلطة وانتقالها عن طريق القوة وليس الانتخابات.

شهد السودان، في تاريخه الحديث، نحو خمسة وثلاثين انقلابًا عسكريًا، ما يجعل البلاد بمثابة "مختبر للانقلابات". نجحت ستة انقلابات من هذه المحاولات الهادفة إلى فرض السيطرة العسكرية على البلاد، فيما مُنيت اثنتا عشرة محاولة بالفشل، وأُحبِطت سبع عشرة محاولة مسبقًا. وفي حين اقتصرت بعض هذه الانقلابات على نقل السلطة من قائد عسكري إلى آخر، أدّت انقلابات أخرى إلى إنهاء فترات قصيرة من الحكم الديمقراطي (1956-1958، و1964-1969، و1985-1989). وكان الرئيس السابق عمر البشير الذي أُطيح به في نيسان/أبريل 2019، قد استولى على السلطة في انقلاب ضد حكومة صادق المهدي المنتخبة ديمقراطيًا في عام 1989. وفي الفترة الأخيرة، تسبب الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، والفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، تسببا في توقّف التقدّم السوداني نحو الحكم الديمقراطي من خلال التحريض على انقلاب جديد في تشرين الأول/أكتوبر 2021، ما أدّى إلى إسقاط الحكومة المدنية الانتقالية وأعاد البلاد إلى الحكم العسكري.

بتعبير آخر، الانقلاب العسكري هو الوسيلة الأساسية لتغيير النظام في السياسة السودانية، وقد لوحظت هذه النزعة أيضًا في بلدان أفريقية أخرى خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وفي النيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد في الأعوام الثلاثة الماضية. وهذا يختلف عن بعض الديمقراطيات الأفريقية منها غانا وموريشيوس وجنوب أفريقيا والسنغال وبوتسوانا، مع الإشارة إلى أن الدول الأربع الأخيرة لم تشهد أي سيطرة عسكرية، وتنتقل السلطة فيها من خلال الإجراءات الديمقراطية (على الرغم من أنها في معظم الأحيان إجراءات سطحية و"مشوبة بالعيوب").

تاريخ السودان مع التغيير في الأنظمة العسكرية يؤجّجه تفاعلٌ معقّد من العوامل الداخلية والخارجية، لكن السبب الأساسي يكمن في منظومة الحوكمة في البلاد. فالظروف التي تؤدّي حكمًا إلى تكرار الانقلابات تشمل منظومة الحوكمة العسكريتارية، والثقافة الريعية، والمحاباة، والكلبتوقراطية وتسليع المنصب العام من أجل مكاسب شخصية. لقد اكتسب الجيش سلطة مالية بمعزل عن الدولة من خلال انخراطه في ريادة الأعمال في القطاعات الاقتصادية الأساسية، حيث تملك القوى الأمنية والقوات شبه العسكرية أكثر من 80 في المئة من موارد الدولة. تسيطر القوى الأمنية على 250 شركة في قطاعات بالغة الأهمية مثل الدفاع، والمصارف، وتعدين الذهب والمطاط، وإنتاج الطحين والسمسم، والبناء، وصادرات الثروة الحيوانية، والنقل. وبوجهٍ خاص، يُعَدّ تعدين الذهب، الذي أعاد تكوين ديناميات السلطة في السودان منذ عام 2011، من الموارد الاقتصادية الرئيسة في صلب النزاع الحالي. لقد فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على مناجم الذهب وطرق التهريب الرئيسة، بما يُمكّن هذه القوات شبه العسكرية من التنافس مع القوات المسلحة السودانية وتمويل مشاريع أعمال غير قانونية في قطاعات مختلفة.

كشفت أحداث 2019 أنه يمكن للمجموعات العسكرية استغلال رغبة الشعب السوداني في الحكم الديمقراطي واستخدامها ذريعةً لإطاحة النخبة الحاكمة. ولكن المجتمع السوداني قد يتمكّن من تجاوز هذا العبء التاريخي إذا تلقّت القوى الديمقراطية دعمًا مجديًا لزيادة قدرتها على المساومة في مواجهة الدولة. يجب على الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية، بما في ذلك الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر وإسرائيل والبلدان في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، ممارسة ضغوط منسّقة للحؤول دون حصول أي طرف من الأطراف المتناحرة على أفضلية في أرض المعركة. ومن خلال استهداف شبكات الأعمال لدفع الأفرقاء المتناحرين نحو الإفلاس، بإمكان مثل هذا التحالف الدولي زيادة تكاليف مواصلة الحرب، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى توقف الأعمال العدائية وتطبيق وقف دائم لإطلاق النار.

غاشاو أيفرام طالب دكتوراه في جامعة أديس أبابا وباحث في معهد الشؤون الخارجية. تشمل اهتماماته البحثية الانتقال إلى الطاقة الخضراء، والسياسة المائية والجيوسياسة في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.