في أيار/مايو 2023، أطلق العراق مشروعًا جريئًا للبنية التحتية يمتد على أراضيه كافة، ويربط ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي بتركيا من خلال شبكات السكة الحديد والطرقات. من شأن طريق التنمية الذي تبلغ كلفته 17 مليار دولار أميركي، أن يشكّل رابطًا جديدًا بين آسيا وأوروبا. وكان المخطط موضوع النقاش الرئيس في مؤتمر عُقِد ليوم واحد في بغداد، من تنظيم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وحضره وزراء النقل ومسؤولون من مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا وسوريا والأردن.

الهدف من طريق التنمية هو إحداث تحوّل في البنية التحتية للمواصلات في العراق، بعدما تسببت عقودٌ من النزاع في تردّي شبكات الطرقات والسكك الحديد. ولم يؤثّر ذلك في قدرة الأشخاص على التنقّل فحسب، بل فاقم أيضًا من كلفة التجارة والتبادل التجاري، ما أدّى إلى عرقلة الحركة الدولية والإقليمية للسلع والخدمات. وفقًا للحكومة العراقية، سيبدأ المشروع رسميًا العام المقبل ويمتدّ على ثلاث مراحل حتى عام 2050. تسعى الحكومة، في الأعوام الأربعة الأولى، إلى نقل 22 مليون طن من الحمولة الكبيرة سنويًا عبر السكك الحديد.

على الرغم من هذه الأهداف الطموحة، تعرّض طريق التنمية لمجموعة من الانتقادات. فقد اعتبر بعض المحللين أن هناك غلوًّا في الحديث عن قدرات المشروع ونطاقه، مشيرين إلى أن تقييم الجدوى أجرته شركة إيطالية متخصصة في قطاع الطاقة ولا تملك على ما يبدو خبرة في تصميم مشاريع النقل.

ولكن إحدى أبرز المشكلات التي يعاني منها المشروع تتمثل في مساره المزمع. فطريق التنمية يربط البصرة ببغداد والموصل، قبل أن يُكمل باتجاه الحدود التركية، متجاوِزًا بالكامل إقليم كردستان العراق. وفقًا للمتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، فرضت العوامل الطوبوغرافية والاقتصادية هذا القرار. يقول العوادي إن مرور الطريق عبر إقليم كردستان العراقي سيؤدّي، بسبب طبيعة المنطقة الجبلية، إلى تمديد المرحلة الأولى للمشروع سنتَين إضافيتين وزيادة موازنته بمقدار 3 مليارات دولار أميركي، ما يرفع إجمالي التكاليف إلى 20 مليار دولار.

يشير الباحث التركي-العراقي محمد ألاكا، في مقابلة مع "صدى"، إلى أن إقصاء إقليم كردستان العراق هو خطوة محض سياسية. ويرى ألاكا، الذي كتب سابقًا عن المشروع، إن استفتاء 2017 في إقليم كردستان العراق للانفصال عن العراق دفع بالحكومة المركزية إلى الثأر. قبل الاستفتاء، حافظ إقليم كردستان العراق على علاقات دولية قوية، بما في ذلك من خلال شركاته النفطية، والتحالف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية، والدبلوماسية الموازية القوية.

سعت الحكومة المركزية في بغداد، منذ الاستفتاء، إلى كبح وصول إقليم كردستان العراق إلى العالم الخارجي وتحويله إلى مجرد كيان إداري محلي. في شباط/فبراير 2022، أبطلت المحكمة العليا الفيدرالية العراقية قانونًا للنفط والغاز أقرّته حكومة إقليم كردستان العراق في عام 2007، ما حال دون تمكّن الإقليم من تصدير موارده الطبيعية. وأتاح هذا الحكم أيضًا لبغداد محاسبة إربيل على مدخولها السابق من النفط مقابل مخصصاتها في الموازنة. وأعقب ذلك صدور قرار عن غرفة التجارة الدولية في أيار/مايو الماضي أكّد أن شركة النفط الوطنية العراقية هي الكيان الوحيد الذي يؤذَن له بإدارة عمليات تصدير النفط عن طريق ميناء جيهان التركي. ويزعم يرفان سعيد، وهو محاضر في الاقتصاد السياسي في جامعة كردستان، في مقابلة مع صدى، أن هذه الأحكام تكشف عن بذل الحكومة المركزية جهودًا منسّقة لعزل كردستان عن العالم الخارجي.

البنية التحتية هي شأنٌ سياسي على الدوام، لا سيما حين يتعلق الأمر بمشاريع على مستوى البلاد. ولكن نظرًا إلى أن الحكومة العراقية تمارس الحكم في ظل الخوف من تفكك أراضيها، يشكّل إقصاء إقليم كردستان العراق عن طريق التنمية خطوة محفوفة بالمخاطر. سيرى الأكراد العراقيون في المشروع جزءًا من استراتيجية تقويض التنمية، بهدف تهميش إقليم كردستان العراق وإقصائه، الأمر الذي لن يؤدّي إلى غير تفاقم الخلاف الوطني. ووفقًا لما شدد عليه وزير النقل والمواصلات بنفسه في إقليم كردستان العراق، "لا طريق أمام التنمية [في العراق] من دون كردستان".

الدكتور سردار عزيز مستشار سابق رفيع المستوى في البرلمان الكردي، وباحث وكاتب. تشمل مجالات اهتمامه العلاقات المدنية-العسكرية، والسياسة في منطقة الشرق الأوسط، والحكم. حائز على شهادة دكتوراه في الشؤون الحكومية من جامعة College Cork. اتبعه في @Aziz1Sardar.