في هذا النقاش، تنشر صدى مقالين، كتبتهما باحثتان مبتدئتان في كارنيغي، تستكشفان هذه الديناميكية في بلدين معرضين بشكل خاص للجفاف وموجات الحر.

في المقال الأول، تقول آية كامل إنه على الرغم من دور المغرب كرائد في سياسة المناخ المتقدمة، لم يأخذ المغرب بعد العلاقة بين المناخ والجندر في الاعتبار. يوضح هذا المقال كيف سيكون لتغير المناخ آثار غير متناسبة أو غير متكافئة على النساء في مجموعة متنوعة من القطاعات، من التعليم والرعاية الصحية إلى الزراعة والعمل المنزلي. في الوقت الذي تستثمر فيه المملكة بكثافة في المشاريع الصناعية الخضراء، تؤكد آية كامل أنه لا يمكن ترك المرأة وراء الركب.

أما المقال الثاني فتكتبه أديل مالي وهو يستكشف العلاقة بين تغير المناخ وانخفاض معدلات مشاركة المرأة في القوى العاملة الأردنية. تشير مالي إلى أن عبء ندرة المياه في الأردن يقع على عاتق النساء بشكل كبير، ومن المحتمل أن يساعد في تفسير هذه الظاهرة المتمثلة في تزايد عدم المساواة الاقتصادية. علاوة على ذلك، فإن غياب المرأة عن القوى العاملة له عواقب ضارة على الاقتصاد الأردني ككل - ما يجعل الاستثمار في المساواة بين الجنسين أولوية أكبر.

رابط المناخ والجندر: ثغرة في السياسة المغربية

يعد تغير المناخ مصدر قلق وجودي للبلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. ومع ذلك، وبينما تستثمر الحكومات في التخفيف من حدة المناخ والتكيف معه، غالبًا ما يتم تجاهل الآثار المحددة لارتفاع درجة الحرارة على النساء.

في حين يحظى المغرب بإشادة دولية أثنت على استجابته لتغير المناخ، غير أن المنظور الجندري لايزال غائبًا بوضوح عن الخطط الحكومية.

آية كامل

يُنظَر إلى المغرب على نطاق واسع بأنه يضطلع بدور رائد في المنطقة في الجهود الهادفة إلى مكافحة تغير المناخ. وفي هذا الإطار، وضعت المملكة، قبل نحو عقد من الزمن، إطار السياسة المغربية لمكافحة تغير المناخ، ونشرته. وهذه السياسية التي تعتبر "مكافحة تغير المناخ من الأولويات القصوى"، تتطرق بالتفصيل إلى خطط التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره على السواء – وتتطرق ليس فقط للآليات التي يتبعها المغرب للتكيف مع التقلبات التي يتسبب بها تغير المناخ، وإنما أيضًا التخفيف من تداعياته من خلال خفض انبعاثات غازات الدفيئة. وتطال هذه المقترحات القطاعات الأكثر ضعفًا في البلاد، بما فيها الوصول إلى المياه، والزراعة، ومصايد الأسماك المحلية. ومن خلال مراعاة الاعتبارات الحكومية، والاجتماعية الاقتصادية والبيئية، أصبحت السياسة المغربية لمكافحة تغير المناخ مرجعًا رياديًا في تطوير سياسة المناخ الوطنية في بلدان الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. ولكن هذه الإشادة الواسعة يجب ألا تدفع بنا للتغاضي عن المجالات التي تفشل السياسة المذكورة في معالجتها، وعلى رأسها الرابط بين المناخ والجندر.

تختلف آثار تغير المناخ بحسب الجندر، لذلك وكي تتسم خارطة الطريق الخاصة بالتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره بالفعالية، يجب أن تكون المسائل الجندرية في صلبها. فالتهديدات المناخية المتعاظمة تؤدّي إلى تسارع وتيرة نقاط الضعف القائمة، ما يعرّض حياة النساء وسبل عيشهن للخطر. وفي الريف المغربي، تشكّل الظروف المناخية السيئة تهديدًا محدقًا فيما يتعلق بوصول النساء إلى الخدمات الصحية – لا سيما في المناطق المعرّضة للفيضانات مثل فجيج وتندرارة وبوعرفة – مع مضاعفات سلبية على صحتهن النفسية عمومًا.

يُعد التعليم، أيضًا، من القطاعات التي تتحمّل مباشرةً العبء الأكبر لآثار تغيّر المناخ. في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بلغت نسبة إلمام النساء بالقراءة والكتابة في المغرب أدنى مستوياتها تاريخيًا، مع 42 في المئة تقريبًا. وعلى الرغم من التقدّم الذي أُحرِز على هذه الجبهة خلال العقدَين المنصرمَين، ظلّت المرأة المغربية متأخّرة عن الرجل بنحو عشرين نقطة مئوية في عام 2021. وسيؤدّي تغيّر المناخ إلى تفاقم هذه الفوارق، في ضوء الارتفاع الشديد في معدلات التسرّب المدرسي للفتيات خلال الظروف المناخية القاسية.

غالب الظن أن تغيّر المناخ سيؤثّر أيضًا في الأدوار المنزلية للمرأة في المغرب. فالنساء هن المعيل الأساسي في 15.6 في المئة من الأسر المعيشية المغربية، وفي الأرياف، قد يتسبب تغير المناخ بمخاطر إضافية للنساء المعيلات لأسرهن. فالنساء اللواتي يعتمدن بشدّة على سبل عيش حسّاسة مناخيًا، لا سيما في الزراعة، لن يتمكّنّ من كسب معيشتهن ودعم أسرهن مع استمرار تدهور الموارد الطبيعية الحيوية. ويزيد ذلك بدوره من احتمال تعرّضهن للعنف الجندري وندرة المواد الغذائية.

إذا لم يأخذ المغرب المسائل الجندرية في الاعتبار، ستبقى قدرته على التكيّف مع تغيّر المناخ محدودة. تقلل السياسة المغربية لمكافحة تغير المناخ من الأهمية الاستراتيجية للمنظور الجندري، من خلال إعطاء الأولوية للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره على حساب مكافحة المخاطر المناخية والحد منها من جملة أمور أخرى، علمًا بأنهما ضروريان جدًا في إطار الاستراتيجيات الهادفة إلى بناء قدرة المرأة المغربية على الصمود، لا سيما في سياق الجهوزية للكوارث. ويقتضي الحد من الخطر المناخي المحدق بالنساء المغربيات في الأرياف القيام بتدخلات هادفة مثل توزيع محاصيل مقاومة للجفاف ونقل مهاجع النساء في المدارس إلى مناطق خالية من الفيضانات.

يبذل المغرب، من خلال سياسة مكافحة تغير المناخ، جهودًا مهمة للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر عن طريق توظيف استثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة. فالمملكة تضم، مثلًا، أكبر مصنع للطاقة الشمسية المركّزة في منطقة ورزازات. ولكن سياسة مكافحة تغير المناخ لا تأخذ المسائل الجندرية في الاعتبار في إطار هذا التحوّل الاقتصادي. يطرح غياب المرأة من الاستثمارات الصديقة للمناخ مشكلة أوسع على الصعيد العالمي: ففي السنة المالية 2019-2020، تم رصد 632 مليار دولار أميركي في إطار التمويل المناخي العالمي، ولكن حصّة النساء من هذه الأموال كانت أقل من 10 في المئة. 

في المغرب، تشير التقديرات الأخيرة إلى أنه سيجري إنفاق 50 مليار دولار أمريكي على برامج التخفيف من آثار تغير المناخ، و35 مليار دولار على مشاريع التكيف مع تغير المناخ بحلول عام 2030. ولكن في ضوء تركيز الأولويات الاستراتيجية على التخفيف من آثار انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن توليد الطاقة والمواصلات، تُوضَع الاعتبارات الجندرية على الهامش مرة أخرى.

ينبغي على السلطات المغربية تمكين القطاع المالي للعمل من أجل سد الفجوة في الاستثمارات الخضراء، إذ تُقدَّر الأصول المالية المطلوبة لتحقيق الأهداف المناخية بـ24 مليار دولار في المغرب، وكذلك من أجل أن يكون رأس المال الخاص مراعيًا بصورة منهجية للشمول الجندري. وقد تشمل هذه التدابير منح حوافز مالية، أو إعفاءات ضريبية أو أرصدة كربونية لمَن يمتثلون لها. 

كذلك يتطلب تحقيق أهداف التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره بطريقة مراعية للمنظور الجندري زيادة الاستثمار في شبكات الأمان الاجتماعي، ووصول المرأة إلى الوظائف الخضراء، وبرامج لبناء القدرة على الصمود والحد من المخاطر المناخية. لا شك في أن المسار شاقّ، ولكن نظرًا إلى سجل المغرب القوي في التكيف مع تغير المناخ، بإمكان المملكة أن تقود المنطقة في الاندفاع نحو العمل المناخي المراعي للشمول الجندري.

آية كميل باحثة مبتدئة كرسي جيمس سي غاثر في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي وطالبة ماجستير في دراسات الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد لعام 2023. تشمل اهتماماتها البحثية التكيف مع تغير المناخ، والأمن البشري والاندماج الإقليمي بين بلدان الجنوب

تغير المناخ: المُتغير الخفيّ المُساهم في عدم المساواة الجندرية في الأردن

يعد تغير المناخ مصدر قلق وجودي للبلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. ومع ذلك، وبينما تستثمر الحكومات في التخفيف من حدة المناخ والتكيف معه، غالبًا ما يتم تجاهل الآثار المحددة لارتفاع درجة الحرارة على النساء.

قد يكون تراجع مستويات مشاركة المرأة في القوة العاملة الأردنية مرتبطًا بشح المياه الذي يُعَدّ الأثر الأساسي لتغير المناخ في المملكة.

أديل مالي

في الأعوام الأخيرة، ظهر نموذج محيِّر في الأردن. فقد بذلت المملكة جهودًا واسعة لتحسين النسب السيئة لمشاركة المرأة في القوة العاملة، ولكن هذه النسب استمرّت في التراجع. في عام 2014، بلغت نسبة النساء الأردنيات في القوة العاملة 22 في المئة. وبحلول عام 2022، انخفضت هذه النسبة إلى 14.3 في المئة، فأصبح الأردن من البلدان التي تشهد المستوى الأعلى من عدم المساواة الاقتصادية في العالم. 

في الأردن، تملك 27 في المئة من النساء فقط حسابًا مصرفيًا، وهذه النسبة أقل بإحدى عشرة نقطة مئوية من المتوسط الإقليمي لنسبة النساء اللواتي يملكن حسابًا مصرفيًا. ولكن مقاييس عدّة تُظهر تقدّم المرأة الأردنية في مجالات أخرى: فمنذ تعهّد الحكومة في عام 2016 بسد فجوة المساواة الجندرية بحلول عام 2030، سجّلت نسب الرعاية الصحية للأمومة، ومحو الأمية والتعليم للنساء ارتفاعًا كبيرًا. والحال هو أن أعداد النساء الأردنيات اللواتي يرتدن الجامعة أكبر من أعداد الرجال. فلماذا إذًا ظلّت النساء خارج القوة العاملة؟

يعتبر بعض الخبراء أن المعايير الاجتماعية، بما في ذلك "التقاليد المهيمنة، والمُحافظة الاجتماعية والنزعة القبلية"، تُبقي النساء خارج مكان العمل. ولكن ذلك لا يفسّر الأسباب وراء تدنّي النسب في الأردن دون المعدلات في بلدان أخرى تسود فيها أيضًا معايير اجتماعية محافظة على نطاق واسع، ومنها السعودية حيث تشارك 22 في المئة من النساء في القوة العاملة.

بدلًا من ذلك، هناك على الأرجح عامل متربّص آخر يساهم في تراجع المساواة الجندرية في الأردن: ففيما يتسبب تغير المناخ بانقلاب الاقتصادات المحلية رأسًا على عقب، تتحمل المرأة الأردنية العبء الأكبر لهذه التداعيات.

يعاني الأردن من الضعف الشديد في وجه تغير المناخ، فهو من البلدان الخمسة الأكثر تعرّضًا للإجهاد المائي في العالم. لقد خلص باحثون، في دراسات أُجريت في مختلف أنحاء العالم، إلى أن شح المياه يؤثّر على نحو غير متكافئ في النساء والفتيات اللواتي يضطلعن إلى حد كبير بدور جمع المياه، ويواجهن مخاطر صحية متعاظمة بسبب مسائل النظافة، ويقمن، في جانب أساسي، "بأعمال متزايدة في المنزل والرعاية مع اختفاء الموارد"، كما أوردت هيئة الأمم المتحدة للمرأة.

على الرغم من عدم وجود دراسة شاملة عن الوصول إلى المياه وعدم المساواة الجندرية في الأردن، توصّلت دراسات أكثر تحديدًا إلى أدلة دامغة على أن تغير المناخ يتسبب بتسريع عدم المساواة الاقتصادية. ووجدت منظمة Mercy Corps أن النساء يحصلن باستمرار، في إحدى المناطق الريفية في الأردن، على كميات من المياه أقل من تلك التي يحصل عليها الرجال بموجب نظام توصيل المياه المخصخص الذي يعتمد عليه معظم الأردنيين في الأرياف. فسائقو شاحنات المياه الذين هم جميعهم ذكور يعطون الأولوية لأصدقائهم الرجال، ولا يسلّمون الكميات الكافية للأسر التي تعيلها النساء فقط. 

كيف يؤثّر توزيع المياه بطريقة غير متساوية في إحصاءات التوظيف؟ عالميًا، تمضي النساء والفتيات 200 مليون ساعة يوميًا في جمع المياه. وفيما تصبح هذه المهمة أكثر صعوبة، تتطلب مزيدًا من اليد العاملة غير المدفوعة الأجر، ما يرغم النساء والفتيات على حذف التعليم والعمل من قائمة أولوياتهن. وتجد الأسر نفسها مضطرةً، حين ينفد الماء لديها بانتظار توصيل المياه إليها كل أسبوعَين، إلى شراء كميات إضافية من المياه بكلفة أعلى بكثير. ومن خلال ارتفاع كلفة تدبير المنازل، يتسبب شح المياه باستمرار بجعل النساء والفتيات أسيرات العمل المنزلي غير المدفوع الأجر، والذي يزداد صعوبة.

 يُخلف شح المياه تداعيات أشدّ سوءًا على الأعداد الكبيرة من اللاجئين في الأردن. ففي مخيم الأزرق الذي يضم 35752 لاجئًا، تكون النساء معرّضات للعنف الجنسي في أثناء توجههن لجمع المياه، ما يرغمهن على البحث عن طرق أكثر أمانًا فيستغرقن وقتًا أطول في رحلة العودة من المدرسة والعمل.

تشير هذه الدراسات إلى أن شحّ المياه يؤثّر بشدّة في النساء الأردنيات، ويساهم على الأرجح في الإبقاء على عدم المساواة الاقتصادية المنتشر على نطاق واسع. لقد كان الأردن أوّل بلد في الشرق الأوسط يُدرج قسمًا عن المساواة الجندرية في سياسته الوطنية لتغير المناخ، ولكن على الرغم من هذا الوعي على أرفع المستويات، لم تُعتمَد سياسات محددة للدفع قدمًا بتحقيق هذا الهدف.

من شأن الاستثمار في السياسة المناخية المحددة جندريًا أن يعود بفوائد واسعة على الاقتصاد الأردني. تترتب عن عدم المساواة الجندرية في الميدان الاقتصادي مضاعفات مدمرة على الاقتصاد الأوسع: فالشرق الأوسط يخسر، في المتوسط، 38 في المئة من الدخل المحتمل بسبب فجوات المشاركة الجندرية. وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، من شأن زيادة بنسبة 25 في المئة في مشاركة المرأة في القوة العاملة الأردنية خلال السنوات السبع المقبلة أن تؤدّي إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأردن بنسبة 5 في المئة سنويًا. ومع تسارع وتيرة تغيّر المناخ، وتفاقم موجات الحر الشديدة في مختلف أنحاء المنطقة، باتت الاستثمارات في المساواة الجندرية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

أديل مالي باحثة مبتدئة لكرسي جيمس سي غايثر في برنامج American Statecraft Program في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.